الخميس، 15 فبراير 2018

زاوية بن حمادوش

 زاوية قجال
 ( زاوية بن حمادوش )

إن تأسيس زاوية ڤجال كان في عهد سيدي مسعود، المعاصر لعبيدي الله المهدي، مؤسس الدولة الفاطمية . وفي أوائل القرن السادس الهجري، تم تجديدها على يد أبي عبد الله سيدي محمد حفيد سيدي مسعود، بعقد موقع من قبل أبي بكر محمد المعروف بابن العربي و هو فقيه مالكيمعروف في ذلك الوقت، الذي عاش بين سنتي (543/468 هجرية)، و ينص العقد على العقيدة والمذهب المعتمدين في التعليم بالزاوية، وهما العقيدة الأشعرية، والمذهب المالكي .

  • تعرضت زاوية قجال للإهمال والهجر لعشرات السنين، كما تعرضت للهدم ومصادرة أموالها وأوقافها، ونهب مكتباتها ووثائقها ،وتصفية شيوخها، و اغتيال الشيخ أبي عبد الله محمد بن إدريس ، واغتيال الإخوة السبعة ، والاعتداء على سيدي محمد الكبير وابن عمته من طرف شخص تمت إدانته من طرف مجلس العلماء سنة 1192 هجري.
  • عاشت المنطقة فترة اضطرابات وصراعات لا تنقطع بين العروش والعائلات والقبائل، بالإضافة إلى صراع العرب مع الأتراك، ( معركة ڤجال)، بين جيش العرب، بقيادة أحمد بن الصخري، والجيش التركي التي بقيادة مراد باي ، التي سبقت الإشارة إليها . اضطر خلالها شيوخ الزاوية إلى مغادرتها، هاجرالشيخ سيدي علي بن أحمد الملقب بـ احمادوش إلى المغرب، وانتقال الشيخ الصديق حمادوش إلى بلاد بوغنجة بأولاد صابر . هذا فضلا عن الفترة الاستعمارية التي تعرضت فيها الزاوية إلى مصادرة أوقافها من الأراضي الفلاحية ، التي تشهد عليها وثائق الزاوية التي حددت أملاكها باسم بلاد سيدي مسعود ، قبيل الغزو الاستعماري الفرنسي بعدة سنوات . وعلى هذا يمكن أن نتحدث عن عدة فترات من التجديد الذي خضعت له الزاوية ، من خلال الوثائق التي تنص على تنصيب الشيوخ باعتبار ذلك استئنافا لأداء دورها التعليمي والإصلاحي .

التجديد الأول :


تم في سنة 888 هجري الموافق لسنة 1483 ميلادي بعقد موقع من طرف الإمام العلي المطاع أبي يحيا زكرياء ( من أمراء الدولة الحفصية ( يفوض للشيخ أبي عبد الله محمد بن إدريس بتسيير زاوية ڤجال وأحباسها .

 

التجديد الثاني :


تم في سنة 931 هجري الموافق لسنة 1524 ميلادي على يدي الشيخ أبي عبد الله محمد بن صالح بعقد موقع من طرف الإمام المجاهد أبي العباس أحمد بن محمد . وقد شهدت زاوية ڤجال في هذه الفترة نهضة علمية شارك فيها الشيخ العلامة الكبير سيدي عبد الرحمن الأخضري .

 

التجديد الثالث :


تم في سنة 1211 هـ الموافق لسنة 1795 م على يدي سيدي محمد الكبير. وبعد وفاته تولى مشيخة الزاوية المجاهد الشيخ الطاهر بن حمادوش الذي شارك في مقاومة الاستعمار الفرنسي الغاشم . وتمت معاقبته بمصادرة أراضيه الفلاحية الخاصة .

التجديد الرابع :


تم على يد الشيخ الصديق بن الشيخ الطاهر بن حمادوش بداية من سنة 1857م ،الذي استطاع أن يستعيد المبادرة ويفتح الزاوية لتحفيظ القرآن والتعليم الديني ؛ كان الشيخ الصديق بن حمادوش عالما في الدين وصوفيا، تخرج على يده أكثر من ستين فقيها منهم من فتح زاوية كالشيخ المختار بن الشيخ ، والشيخ الطيب بن الكتفي والشيخ المنور مليزي، والشيخ علي الحامدي ، والشيخ رحماني عبد الرحمن ومنهم من اشتغل قاضيا في محاكم الشريعة الإسلامية، ومنهم من اشتغل مفتيا إبان الإستعمار الفرنسي للجزائر. وبهذا سجلت زاوية ڤجال حضورها على مستوى كل من المقاومة المسلحة من خلال الشيخ الطاهر بن حمادوش وحضورا قويا على مستوى المقاومة الثقافية من خلال الشيخ الصديق بن حمادوش .

التجديد الخامس :


تم على يد الشيخ محمد الصديق بن الطيب حمادوش وإخوته سنة 1936 م ، فاستعادت الزاوية نشاطها العلمي على يدي الشيخ المختار بن الشيخ بين سنتي (1936 م إلى 1944 م) وبعد وفاته استخلفه الشيخ محمد بقاق لأكثر من سنتين (1945 م إلى سنة 1947م ( .

التجديد السادس :


تم على يد الإمام الشهيد عبد الحميد حمادوش سنة 1950م بعد أن أنهى دراسته بجامعة الزيتونة بتونس وعاد إلى أرض الوطن ، فقام بإصلاحات معتبرة في الزاوية واستأنف التدريس بها لعدد من الطلبة الذين كان وإياهم على موعد مع ثورة التحرير الجزائرية ، فاستشهد منهم من استشهد , ومن بقي منهم رفع تحدي التعليم العربي بعد الاستقلال من خلال مدرسة ڤجال والمدارس الرسمية .

التجديد السابع :


تم بعد الاستقلال أي في صيف سنة1962م حيث انطلقت محاولة أولية للتدريس بالزاوية، قام بها الشيخ القريشي مدني بطلب من الشيخ أبي محمد الصغير ,محمد الصديق بن الطيب حمادوش. وتبعتها محاولة أخرى قام بها الشيخ الحسين مؤمن، ولكنها لم تستمر . وفي بداية العام الدراسي (1963 / 1964) استأنفت الزاوية عملها تحت اسم مدرسة الشهيد عبد الحميد حمادوش ، بإشراف الشيخ محمد الصديق بن الطيب حمادوش ، وتسيير الجمعية الدينية برئاسة البشير ڤزوط . وكان من أبرز أساتذتها الشيخ القريشي مدني، والشيخ إسماعيل زروڤ . ومن فلسطين الأساتذة ذيب كنعان ، ويعقوب قرعاوي ، وتيسير محمد سعيد وغيرهم ، في هذه الفترة أخذت الزاوية صبغة المدرسة الحرة أكثر منها زاوية ذات خط وطريقة ومنهج في التربية والتعليم ، وتوقف التعليم القرآني بها ، ولكنها أدت دورا رائدا في تعليم أبناء المنطقة ، وولاية سطيف ، فتخرج منها العشرات ، بل المئات من المعلمين ، والمدرسين ، والأساتذة ، والموظفين . وفي سنة 1976 جاء مشروع توحيد التعليم بإلغاء المدارس الحرة، و الزوايا ، فتسلمت مديرية التربية والتعليم ، مدرسة الشهد عبد الحميد حمادوش ، التي أصبحت تحمل اسم إكمالية عبد الحميد حمادوش ، وحلت الجمعية ، فبقيت الزاوية معطلة خالية بلا تعليم قرآني ولا شرعي ، إلا من الشيخ رابح عيادي ، الذي ظل محافظا على الآذان ، وإمامة الناس في الصلاة بدون أجر حتى توفي .

التجديد الثامن :


في سنة 1981 أقدم أهل الزاوية وطلبتها القدامى على تكوين جمعية دينية للمسجد الجامع والزاوية العلمية ، فكان ممن ساهم وشجع على إعادة إحياء هذا الصرح العلمي التاريخي، الأستاذ إبراهيم زروڤ - وصفيح المحفوظ - الشيخ الزبير - وعبد الوهاب حمادوش - والأستاذ عبد المجيد حمادوش - و الشيخ خالد حمادوش - و الشيخ محمد الفاضل . و كانت الجمعية تتكون من الشيخ الزبير حمادوش - و الشيخ القريشي مدني - و الشيخ محمد غجاتي - و الأستاذ المحفوظ صفيح - و العربي حافظ - و حمو رحماني - و محمد ولد الشيخ الخير فاضلي .

فأقيمت أول جمعة بالمسجد الجامع التابع للزاوية ، كبداية لإحياء الزاوية من جديد و كان إمام الجمعة أحد طلبتها الأوفياء ، و خطيبها بالمنطقة ، الشيخ القريشي مدني ، الذي ظل لسنوات يقدم بها دروسا في علوم اللغة العربية والفقه و الأصول ، في هذه الفترة تمت توسعة الزاوية.

التجديد التاسع :


كان ذلك عام 1412هـ ، 1992م حيث تم إحياء الزاوية العلمية بقجال بإسم زاوية الشهيد عبد الحميد حمادوش ، بعد حفل تأسيس كبير حضر فيه جمع غفير من الأساتذة والمعلمين و علماء الدين ، والأعيان ، والمسؤولين وغيرهم ، و كانت الجمعية تتكون من الشيخ الزبير حمادوش - والشيخ فوضيل حمادوش - والأستاذ عبد المجيد حمادوش - والشيخ خالد حمادوش - والأستاذ الهادي حمادوش - والأستاذ عبد الله فتاش - والشيخ القريشي مدني - والساسي غجاتي - وعلي مدني - و الحسين فتاش - والشيخ عبد الرحمان حمادوش - ومحمد بخوش - وجمال بن إدريس - والأستاذ جمال ب ، و بعد سنوات تم إنجاز مشروع المجمع الإسلامي لزاوية قجال ، بعد أن تمت تسوية جميع الإجراءات القانونية و الإدارية ، لتكون البداية بإنجاز المسجد الجديد  .

  • بعد فترة من الزمن قام السيد عبد الوهاب نوري ، والي ولاية سطيف ، وبرفقة السيد رئيس دائرة ڤجال ، بزيارة إلى الزاوية ، كان ذلك يوم الجمعة الأولى من شهر رمضان لسنة 1423 هـ . وتم من خلالها اتخاذ قرار استرجاع إكمالية الشهيد عبد الحميد حمادوش لإنجاز مشروع المجمع الإسلامي لزاوية ڤجال 5 سنوات بعد ذلك.

 

شخصيات إرتبط إسمهم بالزاوية :


زاوية بن حمادوش إستقبلت علماء من أمثال سيدي عبد الرحمن الأخضري ، الذي عاش في القرن العاشر الهجري، فقد كان يزورها للتدريس بها والتبرك بزيارة مقام سيدي مسعود الإدريسي الحسني القجالي ، الذي توفي بمنطقة ڤجال . وقد نقل جثمانه إلى قريته "بنطيوس" الكائنة بمنطقة طولقة، بولاية بسكرة، حيث دفن هناك، ومن علماء زاوية بن حمادوش ، سيدي محمد الصغير بن يوسف الحملاوي . أيضا الشيخ أبي القاسم بن السعد الحامي ، الذي علم بها ، وقد ذكر أنه ترك بمكتبتها العديد من المخطوطات ، لم يبق منها إلا مخطوطا واحد في شرح الآجرومية ، فرغ من إنجازه في نهاية السنة المتممة للقرن الثاني عشر الهجري .و سيدي عمر قادري ، الذي تعلم بزاية بن حمادوش.

الزاوية والمقاومات الشعبية :


كان للمنهج المعتمد في زاوية قجال كباقي الزوايا العلمية في الجزائر الدور الأساسي والكبير في مشاركة بعض شيوخها في المقاومات الشعبية الوطنية ضد الوجود الفرنسي في الجزائر، ففي القرن التاسع عشر ، كان شيوخ الزوايا العلمية هم قادة الثورات ومفجروها ، وطلبتها جنود ميادين الوغى وفرسانها ، ومن هؤلاء كان ابن منطقة فجال وحفيد رمزها سيدي مسعود وواحد من شيوخ جامعها الشريف، الشيخ سيدي الطاهر بن محمد بن أحمد الملقب بأحمادوش . شارك سيدي الطاهر في الجهاد ضد الاستعمار الفرنسي ،وقد أصيبت رجله أثناء معركة مع العدو قرب الجزائر العاصمة ، وكانت جروحه دامية فعجز عن السير وبقي هناك فترة من الزمن إلى أن شملته تالعناية الإلهية ؛ حيث عثر عليه أحد رفاق السلاح الناجين في المعركة ، فقدم له الإسعافات اللازمة، وأودعه عند أحد سكان المنطقة ، فلما برئ جرحه وعادت إليه عافيته ، رجع إلى بيته بقجال.

الزاوية و ثورة التحرير الجزائرية :


لما اندلعت الثورة الجزائرية في نوفمبر 1954 م ، كان طلبة العلم والشيوخ في زاوية ڤـجال (زاوية بن حمادوش) في الموعد ، فشارك فيها جلهم، وقدموا الغالي والنفيس من أجل تحرير البلاد، وقدموا الكثير من الشهداء. نذكر منهم الشهيد عبد الحميد حمادوش ، والشهيد حمود مني






عبد الحميد حمادوش

الإمام الشهيد عبد الحميد حمادوش





الإمام الشهيد عبد الحميد حمادوش (1919 _ 1959)،  عالم دين جزائري، درس في جامع الزيتونة بتونس، وبعد رجوعه إلى الوطن شغل كرسي التدريس بـ زاوية قجال ، تخرج على يديه الكثير من العلماء ، وهو أيضا شخصية ثورية بارزة، وأحد قادة  ثورة التحرير الجزائرية، كان له دور مهم في مواجهة الاستعمار الفرنسي، كما كان قائدا سياسيا يحسن التخطيط والتنظيم والتعبئة ، وامتلك رؤية واضحة لأهدافه، ولأبعاد قضيته وعدالتها، وكان يتحلى بإنسانية إلى جانب تمرسه في القيادة العسكرية والسياسية .

لمحة عن الإمام الشهيد :

ظهرت عليه علامات النبوغ والفطنة والشجاعة وسرعة البديهة منذ صغره كما يروي إخوانه. كان ابن بيئته ومجتمعه ، أحب الفروسية والصيد من أبيه الشيخ الطيب بن الصديق حمادوش ، ومن أخيه الشيخ عبد العزيز حمادوش، فأتقن سباق الخيل على يدي الفارس خليفي عمار من أولاد بونشاده. كانت الفروسية في ذلك الوقت زينة الأعراس والأفراح، وكانت ميادينها حلبة لتنافس الشباب ، وإظهار مهاراتهم الفروسية على ظهور الخيل وإطلاق البارود في حركات بهلوانية عجيبة. ولم يكن الشيخ عبد الحميد يتخلف عن حضور المنافسات الفروسية رفقة العديد من شباب المنطقة، وكان يمارس هواية الصيد بشغف ومهارة. لكن الحادث الخطير الذي وقع له في أحد الأعراس - حيث وقعت به الفرس فماتت من حينها ونجا هو بأعجوبة - جعلته يصرف اهتمامه عن الفروسية.

كان الشيخ عبد الحميد حمادوش ملازما لأخيه الشيخ محمد الصديق بن الطيب حمادوش، وعند تولي هذا الأخير مشيخة الزاوية العلمية، بعد وفاة والده الشيخ الطيب البركة (قدس  الله سره)،.... كان يفكر في مستقبل التعليم بالزاوية، وحاجة الناس إلى مرجعية دينية، تتصدى لأمور التدريس والفتوى والإرشاد والتوجيه والإصلاح بالمنطقة. فكان الشيخ محمد الصديق حمادوش، يظهر هذه الرغبة للشهيد عبد الحميد حمادوش، ويشجعه على طلب العلم، ويفتح له سببل التعرف على العلماء، ويصطحبه معه في زياراته إليهم، فتعرف على الشيخ البشير الإبراهيمي  ، والشيخ محمد العربي التباني المدرس بمدرسة الفلاح بمكة المكرمة ، وكانت له لقاءات مع الشيخ الطيب زروق الفقيه، الذي حثه على السفر إلى تونس للدراسة بـ جامع الزيتونة . 

نسبه :

يعتبر من آل البيت، ويمتد نسبه إلى إدريس الأزهر بن إدريس الأول بن عبد الله المحض الكامل بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن السبط بن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب، والسيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وهو حسني وحسيني فجده عبد الله المحض الكامل، أبوه هو الحسن المثنى بن الإمام الحسن السبط، وأمه هي فاطمة بنت الإمام الحسين السبط..


شجرة نسبه :

هو الشيخ عبد الحميد بن الطيب بن الصديق بن الطاهر بن محمد بن أحمد بن الصالح بن أحمد الملقب باحمادوش بن إدريس بن محمد بن إدريس بن محمد بن صالح بن أحمد بن ثابت بن محمد بن الحاج حسن بن مسعود القجالي الحسني بن عبد الحميد بن عمر بن محمد بن إدريس بن داود بن إدريس الثاني بن إدريس الأول بن عبد الله المحض الكامل بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن السبط بن الإمام علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

• - رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلي بن أبي طالب جداه ، وحمزة سيد الشهداء ، وجعفر الطيار في الجنة عماه، وخديجة الصديقة ، وفاطمة بنت أسد الشفيقة جدتاه ، وفاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، سيدة نساء العالمين، وفاطمة بنت الحسين سيدة ذراري النبيين أماه ، والحسن والحسين ، سبطا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وسيدا شباب أهل الجنة أبواه -.

مولده : 

ولد الإمام الشهيد عبد الحميد حمادوش، سنة 1919م، بمنطقة  قجال الواقعة في دائرة قجال، بـولاية سطيف الجزائرية ،وكان أصغر إخوانه أبناء الولي الصالح العبد الشيخ الطيب البركة (طيب الله ثراه) .

دراسته :

حفظ القرآن العظيم مبكرا، ثم انضم إلى حلقة الشيخ المختار بن الشيخ بـزاوية قجال ، فتابع دروسه الأولى في الفقه واللغة العربية .
في بداية الأربعينيات القرن الماضي سافر إلى تونس قضى فيها فترة من الزمن في جامع الزيتونة ،تجاوزت سبع سنوات ، مر فيها بمراحل التعليم المختلفة، وأخذ عن أساتذة وشيوخ أجلاء ، نذكر منهم: الشيخ  محمد الفاضل بن عاشور، والشيخ المهدي الوزاني،والشيخ محمد بو شريبة ، والشيخ عمر الهمامي ، والشيخ امختار بن محمود ،  والشيخ البشير النيفر  ،والشيخ الزغواني ، والشيخ العربي العنابي وغيرهم من علماء تونس الخضراء. وكان من رفاق الشهيد في الدراسة بتونس السادة : عبد الحميد مهري، ومحمد الصالح يحياوي، وعمر الشايب ، ومبارك الشايب ، ومحمد الصغير قارة وغيرهم .
 

عودته إلى الديار :

عاد الأستاذ الشيخ عبد الحميد حمادوش، من تونس لتبدأ مرحلة جديدة من مسيرة حياته ؛ مسيرة العطاء، العطاء اللامحدود الذي ابتدأه ببذل ما وسعه جهده في محاربة الجهل ونشر العلم والمعرفة، والإصلاح الاجتماعي واختتمه ببذل الروح في سبيل الله. .

نشاطه في الزاوية العلمية :

بعد عودته في نهاية الأربعينيات وجد أن الزاوية العلمية تحتاج إلى إصلاح وترميم، وكان العديد من طلبة الزاوية ينتظرون عودته لاستئناف الدروس التي توقفت بعد وفاة الشيخ المختار بن الشيخ (رحمه الله) . قرر أن يكون عمله في الاتجاهين : فاستأنف الدروس بمجموعة من الطلبة منهم : الشيخ القريشي مدني ، والأستاذ الشيخ إسماعيل زروق ، والشهيد محمد رحال ، والشهيد  الزايدي كفي ، والشيخ الحاج زروق ، والشيخ المحفوظ صفيح، والشيخ بقاق إبراهيم ، والشيخ علي مليزي ، والشيخ عمار مليزي، والشيخ الشريف زروق ، والشيخ لحسن عبد العزيز ، والشيخ عبد الوهاب حمادوش، والشيخ محمد الصغير حمادوش ، والشيخ محمد بوكراع وغيرهم ممن كان لهم الفضل الكبير في بعث أول مدرسة جزائرية في عهد الحرية والاستقلال.
في نفس الوقت كون لجنة من أجل جمع الأموال لإعادة بناء مسجد الجامع التابع للزاوية العلمية ،والمرافق التابعة لها فكان في عونه رجال مخلصون من قجال وضواحيها من أمثال الحاج المهدي مدني ،وبن الفلاحي ، والشهيد سي حمود فني،  والشهيد سي علي بن الزايدي ، وعلي حمداش ، والشيخ الخير فاضلي ، وهيشور بوزيد وغيرهم.
تم تجديد قاعة الصلاة وحلقات الدرس وأضيف إليها مطهرة وحجرتان.و كان الأمل معقودا على بناء قاعة خاصة بالنساء لأداء الصلوات الخمس ومتابعة الدروس .
صفاته شخصية :
كان ربعة في طوله، ممتلئ الجسم، رحب الصدر عريض المنكبين ,، طلق الوجه، مهيب النظرة، هشا عند اللقاء، سريع المشية، لباسه الجبة الجزائرية (الڤندورة) عادة- ما تكون رمادية أو زرقاء ليلية، ويضع على رأسه عمامة بيضاء. أما عن صفاته الخلقية، فقد كان سمح سخي زكي، رضي مقدام همام، صابر صوام، مهذب قوام، وقور حليم تقي، يجالس الفقراء، ويؤاكل المساكين، ويساعد المستضعفين، ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم، ويتألف أهل الشرف بالبر لهم، يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم، ولا عجب فهو من نسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

العالم الرسالي :

كان الإمام الشهيد عبد الحميد رجل علم وتعليم وتربية وسلوك تفانى في تحصيل العلم حتى برع في أصوله وفروعه، معقوله ومنقوله، وتميز في علوم الفقه والأصول واللغة العربية، وفنون الأدب، ما جعله علما من الأعلام في جيله، وفحلا من فحول البيان، فقد أبدع من على المنابر في شتى المناسبات، كانت خطبه في الأعياد تقرع الأسماع، فيغدو لها في القلوب وجلا، وفي الأنفس أثرا، وفي العقول نورا، وعلى الألسن ذكرا طيبا. أو خطبه في التجمعات التي كان يعقدها ثوار جبهة التحرير الوطني الجزائرية، من حين إلى آخر في القرى والجبال، فكانت تلهب حس الجماهير، وتؤجج فيهم روح الثورة والجهاد لتحقيق إحدى الحسنيين النصر والاستقلال أو الشهادة في سبيل الله.
كان العلم عنده رسالة نور وخير يشع بها العالم على الناس من حوله ليعرفوا ربهم العليم الكريم ويدركوا أبعاد وجودهم في هذه الحياة ويتمكنوا من خلال النظر في آيات الله في القرآن المقروء وآياته في الكون المنظور من السمو بإنسانيتهم روحا وفكرا وجسدا في عملية تكاملية مستمرة لا تنفرد بالروح فتجعل من الإنسان راهبا مبتدعا، ولا تنفرد بالفكر فيغدو فيلسوفا متعاليا ولا تنفرد بالجسد فتخلد بالإنسان إلى الأرض، وكان طلبة العلم عنده قرة العين، ومهجة الفؤاد، يحرص على تربيتهم من خلال سلوكه معهم، فلا يرون منه إلا ما يملأ العين ويقع في النفس موقع التأسي والاقتداء، ولا يسمعون منه إلا ما يزيدهم يقينا بالعلم ويحببهم فيه. كان يردد على أسماعهم الحديث الشريف " إن الملائكة لتبسط أجنحتها لطالب العلم " ليسبح بهم في ملكوت الله ومحبته ويمشي معهم أحيانا إلى البستان ويجول بهم بين أشجاره وهو يتلو على مسامعهم قول الله تعالى "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور". أو يحمل المعول ويضرب الأرض، وهو يردد الحديث الشريف " اليد العليا خير من اليد السفلى" في إشارة إلى قيمة اليد العاملة المنتجة.
في عام من أعوام الجفاف والحاجة عجزت ميزانية العائلة عن إطعام الطلبة فما كان من الأمام إلا استأذن أخاه الأكبر الشيخ محمد الصديق حمادوش، في بيع قطعة أرض من أجل سد حاجة الطلبة من الطعام وبعد اتفاق الإخوة باعوا قطعة أرض كانت بالقرب من دوار لخلف. وواصل بذلك الطلبة تعليمهم دون انقطاع، وهكذا سجلت هذه الواقعة للأستاذ عبد الحميد حمادوش، موقفا جريئا يؤكد أولا علي استمرار الدور الرسالي له، ولعائلته، في خدمة العلم وأهله وطلابه، وحفظة القرآن الكريم. ويعطي ثانيا المثل في البذل من أجل العلم الذي رفع الله من شأنه فجعل حامليه شهودا على وحدانيته وعدله رفقة الملائكة، وباهى بطلبته الملائكة الأبرار.

العالم الإنسان والداعي والمبلغ :

كان الإمام الشهيد عبد الحميد حمادوش، رجلا حباه الله من الأخلاق الكريمة، والخصال الحميدة، والذكاء الحاد، والبصيرة النافذة، ما جعله مضرب المثل، من أبصره هابه، ومن عرفه أحبه ووقره. إذا أقبل هلّ لمقدمه الحاضرون، وانشرحت لمنظره الصدور، ووقف لاستقباله الكبير والصغير، وإذا جلس عظم به المجلس وحفته السكينة والوقار، وإذا تحدث أصغت إليه الآذان، وإذا سئل نقع غليل السائلين. لم يُر أبدا شاكيا ولا متأففا، ولا ساخطا على الدنيا، يقول ما يفعل، منفتحا على الجميع.
كان شديد الورع، ذا تقى وصلاح، يحمل بين جوانحه قلبا فياضا بالعواطف السليمة، والمشاعر النبيلة، إذا رأى فقيرا لا تراه إلا ساعيا في مد يد العون له. اليتيم عنده أولى من ولده وأقرب إليه من نفسه.
وإذا ما جئنا إلى علاقات الأمام الشهيد عبد الحميد حمادوش الإنسانية وجدناه نعم الرجل المضياف الكريم السريع النجدة يسعى في خدمة إخوانه ولا يألوا في ذلك جهدا ولا يدخر وسعا. روى شيخ زاوية قجال عن الشيخ عمر روميلي، وهو أحد الطلبة الذين كانوا يتابعون الدراسة في جامع الزيتونة .أنه حين سافر إلى تونس لغرض الدراسة، ولم تكن معه الوثائق الضرورية للإقامة فاختفى عند أحد الجزائريين خوفا من أن تمسكه الشرطة فتعيده إلى بلاده.وكان الإمام الشهيد عبد الحميد حمادوش (رحمه الله)، هو من سعى له في الحصول على الوثائق المطلوبة للإقامة، والتسجيل  بجامع الزيتونة.
أو عن سعيه في إصلاح ذات البين، فكان يبذل من أجلها الجهد والمال، فكان كلما سمع بخصام أو نزاع حصل بين طرفين أو أطراف معينة في مكان ما لم ينتظر حتى يأتيه طرف منهم يدعوه إلى الإصلاح بينهم بل كان يباغت الجميع فيدعو الطرفين إليه بالزاوية فيكرمهم، ويسمع من كل طرف شكواه، ثم يعظهم بكلمات بليغة مؤثرة، حتى يزيل من القلوب ما علق بها من ضغائن وأحقاد وأطماع ووساوس، ثم يدعوهم إلى العفو والصفح عن بعضهم البعض. وإذا تعلق الأمر بحقوق واجبة الأداء، أمرهم بأدائها، وساعدهم على ذلك مااستطاع؛ ذكر في روايا منقولة عن شيوخ زاوي بن حمادوش، أن طريقة الشهيد عبد الحميد حمادوش، في الإصلاح كان لها الأثر البالغ في النفوس. فقللت من النزاعات بين الناس، وصاروا يسعون إلى فك خصوماتهم بأنفسهم قبل أن يبلغ خبرها إلى الشيخ عبد الحميد حمادوش فيحرجهم بمباغتته لهم. ومما يتميز به الإمام الشهيد عبد الحميد حمادوش أيضا أنه كان منفتحا على الحياة بجميع مواقعها وتنوع اختصاصاتها وتعدد أعمالها ووظائفها وحرفها ومهنها، كان يدرك تماما أن العالم الذي يتصدى للدعوة إلى دين الله العظيم وتبليغ تعاليمه ونشر ثقافته، ينبغي أن يكون ملما بعلاقة الدين بالحياة، تلكم العلاقة الدقيقة جدا، والخطيرة جدا على الدين والحياة معا، إذا لم يكن الوعي بها كافيا، فكثيرا ما ينسى الداعي الشخص المدعو أمامه وربما لا يعرف شيئا عن أحواله أو عمله أو وظيفته أو حرفته، فيفتنه من حيث يريد إرشاده وتوجيهه أو يضله من حيث يريد له الهداية، أو يفسده من حيث يريد له الإصلاح وهكذا يتحول الداعي بسبب جهله بعلاقة الدين بالحياة، ودور الدين في إصلاح المجتمع وتنمية الحياة في كل مواقع العمل فيها نحو الأفضل والأصلح والأنجع، إلى مضل مفسد دون أن يدري، من هنا كان وعي الإمام الشهيد عبد الحميد حمادوش بالمسألة.
فكان يتحرك في كل مواقع الحياة ومع الناس من مواقع المسؤولية والعمل من منطلق اختلاف الأشخاص وأحوالهم وأعمالهم فكان إذا أتى فلاحا حدثه علي محاولة تطوير فلاحته وتحسين الإنتاج من خلال الاستفادة من تجربة المعمر في فلاحته وربما ختم حديثه معه بالحديث الشريف : " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه."
وقد روي أحد المشتغلين بالميكانيكا لشيخ الزاوية العلمية بقجال - أن الإمام الشهيد عبد الحميد حمادوش (رحمه الله)، كان يزوره في ورشته، فلا يحدثه عن شيء خارج دائرة عمله، بل كان يركز كلامه عن الميكانيكا، وعن دورها في الحياة الجديدة، وفي تطوير الفلاحة والصناعة، وكيف أن كثيرا من الصناعات في أوروبا تطورت على يد ميكانيكيين كانت لهم ورشات مثلنا، وكيف أن هؤلاء الميكانيكيون كانوا يبذلون الجهود المضنية ويدفعون الأموال الطائلة، وربما بذل أحدهم كل ما يملك من أجل الوصول إلى اختراعه، كذلك الذي اخترع طلاء الأواني ! حيث لم يصل إلى اختراعه إلا بعد أن باع كل مقتنياته من أجل الحصول على المواد الضرورية لأجراء تجاربه، وكان آخر ما باعه كرسيه الذي يجلس عليه للعمل. وكم كانت فرحته عظيمة عندما تحصل على النتيجة بعد ما دفع آخر ما يملك !. هكذا كان الشيخ عبد الحميد حمادوش يتحرك في أوساط العمال، وأصحاب الحرف، يرشد كل واحد في ميدانه، ويقول لهم : " تعلموا الحرف والصناعات وعلموها الناس فإنها من أعظم العبادات ".

اهتمامه بالتاريخ والآثار :

لم تكن اهتمامات الإمام الشهيد عبد الحميد حمادوش، محدودة، أو محصورة في مجال التعليم والتربية، والفتوى وحسب. بل كانت له اهتمامات تاريخية، وفكرية وثقافية وسياسية. حدثني أكثر من واحد أن الإمام الشهيد كان يحدثنا عن تاريخ منطقة قجال، وكان يوصي بالمحافظة على ما يعثر عليه المواطنون من آثار أثناء عمليات حفر الترع أو أسس البيوت. وكانت له مراسلات مع بعض المؤرخين في الخارج كما اجتهد في جمع العديد من الوثائق، ولكن مع الأسف الشديد فإن كثيرا من مراسلاته والوثائق التي كان يحتفظ بها لم نعثر لها على أثر. هل هي عند من أودع عندهم كتبه قبل التحاقه بالثورة ؟ أم هي من الوثائق التي أخذها المؤرخ الجزائري المهدي البوعبدلي .

اهتمامه بالصحافة :

أما عن اهتماماته بالسياسية فكان يتجلى في متابعته للصحف والمجلات العربية مثل البصائر، والأهرام المصرية، ومجلة لواء الإسلام، ومجلة الدعوى، أما الصحف الناطقة بالفرنسية فكان يقرأها له ابن أخيه النذير حمادوش، الذي كان يتقن اللغة الفرنسية. أما الأخبار المسموعة فكان يتابعها عبر المذياع فكان يتابع صوت الجزائر، وصوت العرب، وكان الأستاذ يبدي إعجابه الشديد بالأناشيد التي تمجد الثورة الجزائرية. كان اهتمام الإمام بالأخبار وسيلة لنشر الوعي الوطني في أوساط الشباب الجزائري ومتابعة تطورات الثورة في الداخل والخارج . قال شيخ زاوية بن حمادوش، ذكر لي العمري بن غذفة، أن الإمام الشهيد كان دائم الزيارة له في دكانه المتواضع داخل الحارة المقابلة لصيدلية فرحات عباس، حيث كان يشتغل خياطا رفقة الطالب سي ساعد كتفي، الملقب بالروج. وكان الإمام يتابع الأخبار والبرامج الثقافية، ويحاول أن يشرح للحاضرين معه ما صعب عليهم فهمه من كلمات وجمل ومصطلحات، وأخبار، وبهذا يؤدي دوره الإعلامي والتثقيفي في أوساط المواطنين .

موقفه يوم زيارة الحاكم الفرنسي نيجلان :

كان ذلك في ربيع سنة 1950 م حيث أعدت الإدارة الاستعمارية الفرنسية بالتعاون مع أعوانها من القياد والمنتخبين احتفالا ضخما لاستقبال الحاكم العام أدمون نيجلان الذي قدم لتدشين مدرسة قجال، وقررت الإدارة أن تكلف الشيخ عبد الحميد حمادوش بإلقاء كلمة الترحيب التي أعدت من طرف الإدارة الاستعمارية. فاقترح عليهم الشيخ عبد الحميد حمادوش أن يحرر الكلمة بنفسه فلما رُفض طلبه قال لهم : " لا أرضى لنفسي أن أكون بوقا لغيري، ولا أن يقولني أحد ما لا أريد أن أقوله "، وقد حاول أحد المقربين من الإدارة الاستعمارية أن يخوفه فقال له : يا عبد الحميد إنك تخاف على نفسك، فكان جوابه لا خوف إلا من الله . وقد أحدث موقف الإمام الشهيد (رحمه الله)، هذا ضجة كبيرة، وطالبت بعض الأطراف معاقبته، وقال الذين ينظرون إلى المسألة من موقع الحضوة لدى فرنسا : لقد جاءه العز إلى أنفه فرفضه. ولولا عناية الله تعالى بالإمام الشهيد وتدخل أخيه الأكبر الشيخ محمد الصديق حمادوش لدى بعض المعارف، لكان مصيره السجن.

انخراطه في الثورة :

ظل الإمام الشهيد عبد الحميد حمادوش يؤكد قناعته تجاه الاستعمار وفي وجوب مقاومته إلى أن قامت الثورة. ذكر شيخ زاوية بن حمادوش أن الشيخ القريشي مدني قال : " …وكان الشيخ عبد الحميد (رحمه الله)، من السباقين بالانضمام إلى ثورة أول نوفمبر 1954 ميلادي، وأظهر نشاطا مكثفا في توعية المواطنين، والتعريف بالأهداف التي ترمي إليها الثورة، وشرع في جمع الأسلحة من المواطنين، وكذا جمع التبرعات لفائدة الثورة. وكان الذي يعينه في جمع الأسلحة والذخيرة الحربية، الشهيد سي حمود فني (رحمه الله)، وأول مدفع رشاش دخل جبل بوطالب ، كان على يدي الإمام الشهيد عبد الحميد حمادوش، كان هذا الرشاش قد اقتناه المجاهد خليفة فلاحي من عهد الحرب العالمية الثانية، واحتفظ به إلى أن اندلعت الثورة، فباح به إلى الإمام عبد الحميد حمادوش، فكلفني بأخذ هذا الرشاش، من هذا المواطن، وسلمته بدوري إلى المجاهدين وكان (رحمه الله) كتوما للسر إلى أبعد الحدود، وكان يقول : " إن الثورة تنجح بالكتمان لا بإفشاءالأسرار…"، وكان (رحمه الله)، لم يخامره أدنى شك في نجاح الثورة، ولا يتردد في عمله الثوري أبدا مهما كلفه ذلك، من تضحيات. وكان يقول لي : " إن الثورة ستنتصر بإذن الله، وإن الجزائر ستستقل لا محالة، ولا أدري أتطول بي الحياة وأعيش حتى أرى الاستقلال، أم استشهد ولا أرى الاستقلال …" كما قال ابن أخته وتلميذه الشيخ إسماعيل زروق، الذي كان مودع سره، وبريده مع بعض المجاهدين، فإن الإمام الشهيد عبد الحميد حمادوش، كانت له علاقات واتصالات مع قيادات كبيرة في الثورة المجيدة، في بدايتها وكانت تصله مراسلات من القائد العموري، ويوسوف يعلاوي، وغيرهم .

صلاته الأخيرة بالناس :


في سنة 1956 توسعت الثورة، وبدأ يظهر عملها في ولاية سطيف وضواحيها، وأحس الاستعمار بذلك وبدأت محاولاته في تعقب تحركات المواطنين واستفزازهم وتخويفهم. وكانت أولى تحرشاته بأهل قجال في عيد الفطر لسنة 1374 هجرية، الموافق لشهر ماي 1956 ميلادية، حيث كانت آخر صلاة صلاها الإمام الشهيد بالناس، وفي الوقت الذي كان المصلون ملتفين حول الإمام الشهيد عبد الحميد حمادوش، لسماع خطبة العيد فإذا بالعدو يطوقهم بثلاث دبابات ومجنزرة وطائرة استكشافية تحلق فوق رؤوسهم، تنبه الإمام الشهيد لذلك فقال : أيها الناس لا تتفرقوا علي عادتكم من هنا، حتى لا يؤذينا العدو، بل عودوا إلى المسجد. فعاد الناس جميعا إلى الجامع. ثم بعد ذلك خرجوا عائدين إلى بيوتهم وانتهى الأمر بسلام، بعد ذلك توقفت الدراسة بالزاوية العلمية، وغادرها طلبة العلم، فمنهم من التحق بالثورة، ومنهم من هاجر إلى فرنسا والتحق الشيخ القريشي مدني بالثورة، أما صغار الطلبة فتولى تعليمهم الشيخ إسماعيل زروق، أما الشهيد عبد الحميد فقد واصل عمله السري، ولم يكن يطلع أحدا على اتصالاته، إلا الشيخ إسماعيل زروق، الذي كان واسطته مع بعض المجاهدين، من أمثال الشيخ قدور كسكاس، والشهيد أحمد الضحوي (رحمهما الله)

لا للخروج من أرض الجهاد :

استمر الإمام الشهيد في عملها السري، مراسلة قياديي الثورة المجيدة حتى سنة 1958 ميلادي، حيث كثف الاستعمار مخابراته، واستعان بجواسيسه وأعوانه، للكشف عن الثوار. ولعله ارتاب في أمر الإمام الشهيد، أو تأكد من دروه في الثورة المجيدة، ولكنه لم يجد ما يبرر له القبض عليه. فحاول أن يجعله في خدمته فشدد عليه الحراسة، فكان يأتيه أحيانا ويستدعيه حينا آخر ويهدده مرة أخرى، حتى يلزمه بالتعاون مع الإدارة الاستعمارية. وفرض عليه الحضور اليومي إلى مركز الدرك للتوقيع. وهنا يسجل الإمام الشهيد موقفا آخر من مواقف الإيمان والاحتساب لله تعالى؛ ... بعد رجوعه في يوم من تلك الأيام العصيبة من مركز الدرك الاستعماري في رأس الماء، عرج على بيت أخيه الشيخ عبد العزيز (رحمه الله)، فاقترح عليه أحد أقاربه أن يسافر إلى تونس حرصا على نفسه وحياته بما تمثله من مستقبل المرجعية الدينية للمنطقة، والتعليم بالزاوية العلمية. فكان رد الإمام الشهيد : "أتريدني يا سيدي أن أولي الأدبار، وأفر من أرض الجهاد، فأبوء بغضب الله تعالى "!

إلتحاقه بالجبل :

اشتد الأمر عليه، فتأكد أن قوة العدو ستظل وراءه حتى تنال منه ما تريد، أو تقضي عليه، فقرر أن يلتحق بالجبل. وفي صباح ذلك اليوم عاد إلى بيته بـقجال ، وكان قد ترك المبيت فيه منذ مدة، فلا يأتيه إلا نهارا. يقول الشيخ إسماعيل زروق : " في ذلك اليوم طلب مني الإمام أن أشتري له شفرات حلاقة من دكان الطيب بوقزولة الدكان الوحيد الذي كان بقجال يومئذ، وما كدت أعود إليه بشفرات الحلاقة، حتى وجدت آليات العدو قد أحاطت بـ قجال والطريق المؤدي إلى مدينة سطيف ، وأخرجوا كل أفراد العائلة، وسألوا عن سيدي عبد الحميد ، وكنا قد علمنا بمغادرته البيت نحو منطقة بير الابيض. فقلنا لهم : لقد توجه إلى سطيف، فتركوا القرية وتوجهوا نحو مدينة سطيف، أما سيدي عبد الحميد، فقد اختفى عند الشيخ موسى حلتيم. ولما غادر كل عساكر العدو المنطقة، أسرع إليه الطيب بوقزولة بسيارته وتوجه به نحو أم الحلي. وكان آخر ما قاله في صباح ذلك اليوم لابنه الشيخ محمد الهادي، ذي الأربع سنوات الذي تعلق بساقه وكأنه يودعه الوداع الأخير، فقال له : " أبوك الذي تلاحقه فرنسا لم يعد له بقاء معكم". ومنذ ذلك اليوم لم تقع أعيننا عليه حتى بلغنا خبر استشهاده .

يومياته بين الشعاب والجبال والكازمات :

فيما يلي مجموعة أحداث ووقائع وأخبار عن الإمام الشهيد عبد الحميد حمادوش، سجلها مؤلف كتاب سيرة الإمام الشهيد، ذاكرة بعض المجاهدين أثناء مرافقة الإمام الشهيد أو الالتقاء به بعد التحاقه بالجبل. سجلها المؤلف من أفواههم، وهي منسوبة إلى أصحابها.
  • -1 -بعد مغادرة بيته بـ قجال ، انطلق صوب أم الحلي، وفي مشتة الشطاطحه، التقى بالمجاهد قويدر درغال، فقال له : " ياسي قويدر عهد التخفي انتهى " يقول المجاهد قويدر، ثم طلب مني أن اشتري له كراسات وأقلاما ومحفظة. وفي نفس اليوم أدى زيارة إلى الشيخ عراس فني (رحمه الله) المعروف بمحبته للشيخ عبد الحميد حمادوش، وإخوانه والزاوية العلمية، وولعه الشديد بالقرآن العظيم، وطلبة العلم، وحرصه على خدمة بيوت العلم بكل ما يملك.
  • -  2 - بعد التحاقه بالجبل عين الإمام الشهيد في بداية سنة 1958 ميلادي، قاضيا لمنطقة سطيف، وفي حفل تنصيبه حضرت وفود من القيادات العليا للثورة، وبعد إلقاء الكلمات المعهودة في مثل هذه المناسبات، جاءت كلمة الإمام معبرة عن وعي كبير بالمرحلة الدقيقة التي تمر بها الثورة، وتصور واضح لما يجب أن تكون عليه القيادات من الالتزام لتستمر الثورة في خطها التصاعدي نحو تحقيق الاستقلال الوطني، وقد أثرت تلك الكلمة في الحضور حتى تناقلتها الأسماع وتحدثت بها الألسن من منطقة إلى أخرى. وأكد لي الشيخ القريشي مدني، هذه الواقعة وأضاف أنه كان من بين الحاضرين امرأة تعمل ممرضة علقت بعد سماعها كلمة الأستاذ قائلة : "كيف تتركون هذا الرجل في مثل هذه المناطق الخطرة ؟، إن الثورة ستخسر كل شيء، إذا لم تحافظ على رجالها العظام "
  • - 3-  قال السيد عبد العزيز لنقر : إن الإمام الشيخ عبد الحميد حمادوش ظل لمدة وإلى يوم استشهاده يتردد على بيتهم بعد انتهاء أعماله الجهادية في الجبال ومناطق الثورة المختلفة ومن المعروف أن هذا البيت هو بيت الشيخ عبد الله لنقر، بيت القرآن والصلاح، وبيت الشهيد سي التونسي (رحمه الله)، ومن المؤكد أن الإمام الشهيد ما اختار الإقامة في هذا البيت إلا لما وجد فيه من العفاف والطهر والاحترام والتقدير. ومن المناسب في هذا المقام أن أسجل ما حفظه عنه تلميذه المخلص الشيخ عبد القادر فني . حيث كان كلما زار مكانا أو أقام فيه وشعر فيه بالراحة والهناء والتقدير يقول :" إن المكان الذي يعيش فيه المرء عزيز الجانب، موفور الكرامة تستطيبه النفس ويهنأ به البال "
  • 4-   _رغم كل ما كانت تفرضه يوميات الثورة من أعباء ومسؤوليات جهادية، وما كانت تستدعيه ترصدات العدو بالثورة ورجالها من احتياطات أمنية وتنقلات تكتيكية، فإن الشيخ عبد الحميد حمادوش، كان يتحين كل فرصة ممكنة، لتقديم درس أو موعظة أو توجيه في موضوع مناسب للأحوال التي يعيشها الثوار في الجبال والشعاب والكهوف والمخابئ وذلك من أجل ربط القلوب بالله تعالى. ودفعها إلى تحمل المشاق والصعاب، ومدافعة الخوف والقلق ونوازع النفس إلى الدعة والراحة واشتياق القلب إلى الزوجة والولد. كانت أغلب دروسه ومواعظه حول الإيمان والصبر والاحتساب لله تعالى، والقضاء والقدر، وكانت أمثلته من جهاد الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم)، وجهاد آل بيته، وجهاد الصحابة (رضي الله عنهم)، وجهاد رجال المقاومة الوطنية (رحمهم الله). كان كلما جلس في مكان، واجتمع حوله اثنان أو ثلاثة، لم يترك لهم فرصة للغو والكلام الذي لا يرجى منه نفع، فيبادرهم بدرس، أو سرد واقعة فيها عبرة، أو شرح آية ..إلخ.

استشهاده : 

كان ذلك في اليوم التاسع من شهر جوان ( يونيو _حزيران) سنة  1959 ميلادي ، جاءت معلومات عن تحركات قوات للعدو الفرنسي، مؤلفة من دبابات ومجنزرات تصحبها طائرات نحو المنطقة القربية من جبل قطيان  .وكان الإمام رفقة تسعة من الجنود المسلحين، اقترب منهم العدو، وأخذ يطاردهم ، وهم يردون عليه، حتى قضى على أكثرهم، وظل الإمام الشهيد يواجه العدو مقبلا غير مدبر، حتى استشهد. وفاضت روحه الطاهرة إلى ربها راضية مرضية. لقد وفقه الله إلى الشهادة، كما كان يطلبها دائما ويؤكد لرفقائه أن لا يولوا العدو أدبارهم أبدا، وعليهم أن يواجهوا العدو بصدورهم حتى الشهادة. مصداقا لقوله تعالى : "يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير".

وقد دفن حيث استشهد رفقة الجنود الذين كانوا معه ولم ينج منهم إلا المجاهد عصار عمار الذي توفي منذ مدة. وما إن بلغ خبر استشهاد الشيخ الإمام عبد الحميد حمادوش، قيادة القوات المحتل الفرنسية بمركز "برقنوس "برأس الماء، حتى سارعت إلى نشره بالمنطقة كلها، للتعبير عن انتقامها من المجاهدين وإظهار التشفي والشماتة، وبث الرعب والخوف في الأوساط الشعبية. كان ذلك فعلها كلما تمكنت من أسر أو قتل مجاهد ؛ وذكر واحد من شيوخ زاوية بن حمادوش أنه في مساء ذلك اليوم، فاجأ فيه قائد قوات العدو الشيخ سيدي محمد الصديق حمادوش، حيث قدم بسيارة جيبت " وبسياقة جنونية دار عدة دورات حول البيت مثيرا فينا الرعب والفزع، ثم توقف أمام الشيخ محمد الصديق حمادوش. وفي يده صورة للشهيد ملطخة بالدماء. كان منظرها مرعبا للغاية ! وبعنجهية وغطرسة رمى الصورة أمام الشيخ قائلا : هذا مصير كل الفلاقة، لن يفلت منا أحد، سنأتي بهم أين ما كانوا، ثم انصرف .

الصديق بن الطاهر حمادوش

العلامة الشيخ الصديق بن الطاهر حمادوش

 


العلامة الشيخ الصديق بن طاهر بن محمد المعروف بـالـ صديق بن حمادوش (  1834  - 1893 )  عالم دين جزائري ، ومن فضلاء ولاية سطيف الجزائرية، هو فقيه مالكي ، وشيخ زاوية قجال في زمانه ، عرف بالورع والتقى، وينتهي نسبه إلى الإمام علي بن أبي طالب ،وفاطمة الزهراء، بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ..

مولده :

كان مولد العلامة الشيخ الصديق بن الطاهر حمادوش ، سنة 1834 ميلادي بمنطقة قجال  الكائنة حاليا في ولاية سطيف الجزائرية ..

نسبه :

يعتبر من الذرية الشريفة من نسل العترة الطاهرة ، ويمتد نسبه إلى إدريس الأزهر بن إدريس الأكبر بن عبد الله المحض الكامل بن  الحسن المثنى بن الإمام الحسن السبط المجتبى بن الإمام علي بن أبي طالب ، والسيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) . وهو حسني وحسيني فجده عبد الله المحض الكامل ، والده هو الحسن المثنى بن الإمام الحسن السبط ، ووالدته هي فاطمة بنت الإمام الحسين السبط..
  • - رسول الله (صلى الله عهليه وآله وسلم)، وعلي بن أبي طالب جداه ، وحمزة سيد الشهداء ، وجعفر الطيار في الجنة عماه، وخديجة الصديقة ، وفاطمة بنت أسد الشفيقة جدتاه ، وفاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيدة نساء العالمين، وفاطمة بنت الحسين سيدة ذراري النبيين أماه ، والحسن والحسين ، سبطا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبواه -.

شجرة نسبه

هو العلامة الشيخ الصديق بن الطاهر بن محمد بن أحمد بن الصالح بن أحمد الملقب باحمادوش بن إدريس بن محمد بن إدريس بن محمد بن صالح بن أحمد بن ثابت بن الحاج حسن بن مسعود القجالي الحسني بن عبد الحميد بن عمر بن محمد بن إدريس بن داود بن إدريس الثاني بن إدريس الأول بن عبد الله المحض الكامل بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن السبط بن الإمام علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

نشأته :

ولد الشيخ العلامة ونشأ وترعرع بمنطقة قجال  التي كانت منذ القدم تعرف : " ببلاد العلم والرجال " في عائلة عريقة ملتزمة محافظة ، عرفت العلم والتدين ، وفعل الخير ، وقد كان استقرار هذه العائلة الشريفة بمنطقة قجال في نهاية القرن الرابع الهجري..

دراسته :

حفظ القرآن العظيم علي شيوخ القرآن بزاوية قجال، وقد أتقنه في سن مبكرة رسما وحفظا وتلاوة، ثم درس علوم اللغة العربية، وعلمي المنطق والحساب علي يد والده ، وأخذ عنه الفقه والأصول وعلم الكلام، انتقل بعد ذلك إلى العديد من زوايا الطريقة الرحمانية  بالحامــــة، والسوالم، ثم قسنطينة ،فعكف بها واجتهد في التحصيل العلمي ، حيث حضر دروس الفقه والأصول والحديث وعلم الكلام، كما حضر حلقات التفسير وعلم التصوف ..

إجازته :

أخذ الشيخ العلامة الصديق بن الطاهر حمادوش، عن شيخه بن عبد الكريم السلامي الشافعي، الإجازة في التربية والتعليم، على  الطريقة الرحمانية الحفناوية الخلوتية البكرية ، التي شهد له فيها بالكفاءة العلمية والروحية، وأعلن ذلك على رؤوس الأشهاد من العلماء والمشايخ والأعيان وعامة الناس ..

الزاوية العلمية :

في سنة  1857 ميلادي ، تم تجديد زاوية قجال على يد الشيخ العلامة ، بعدما أغلقت من طرف المستعمر في عهد الشيخ الطاهر بن محمد والد الشيخ الصديق، وذلك بسبب مساهمته في المقاومات الشعبية ،فحصل الشيخ الصديق على الترخيص من المجلس العلمي بسطيف، وفعلا استطاع أن يستعيد المبادرة ويفتح الزاوية العلمية من جديد لتحفيظ القرآن العظيم، والتعليم الديني، استأنفت الزاوية العتيقة رسالتها العلمية من جديد ، وباشر الشيخ الصديق بن الطاهر حمادوش، العمل فيها بنفسه وكان عمره إذاك لا يتجاوز الثالثة والعشرين سنة من عمره، فتوافد على الزاوية العلمية طلبة العلم، وحفظة القرآن الكريم من كل صوب وحدب ..

الإنفاق على طلبة :

كان الشيخ الصديق بن الطاهر حمادوش، ينفق على الطلبة من عائداته الفلاحية ، فلم يكن يقبل من الناس الصدقات ولا أموال الزكاة ولا التبرعات ، ولما توسعت نفقات الزاوية حاول أن يستعيد بعضا من أراضيه المصادرة من قبل الإدارة الاستعمارية ، فراسل كلا من نائب عامل العمالة بسطيف والحاكم العام بالجزائر ، طالبا استعادة أرضه الفلاحية الخاصة التي كانت تقدر حوالي مئة وعشرين هكتارا بعضها في يد الفرنسيين، والبعض الآخر كان تحت يد القايد الذوادي ،كما ذكر في رسالتيه اللتين بعث بإحداهما إلى الحاكم العام في الجزائر ، والثانية بعث بها إلى السوبريفي بسطيف ..

تدريسه :

اشتغل الشيخ الصديق بالتدريس بالزاوية العلمية بـ قجال ، فكان يلقي دروسا في علوم اللغة العربية ، والمنظق ، والحساب، والفقه ، والأصول، ولكلام..

تلامذته :

تخرج على يده أكثر من ستين عالما نذكر منهم : الشيخ المختار بن الشيخ وأخاه أحمد الشريف - والشيخ المنور مليزي – والشيخ الطيب قرور- والشيخ محمد الشريف بن علي إدريسي - والشيخين الأخويين أحمد بن حافظ ، والمختار بن حافظ- والشيخ عبد الرحمن رحماني - والشيخ علي بن الحامدي - والشيخ موسى بن مروش – والشيخ الميهوب بن إدريس – والشيخ الأخضر بن إدريس – والشيخ صالح عبد العزيز- والشيخ خلفي بوزيد وغيرهم ، وقد كان لهؤلاء الطلبة بعد تخرجهم دور كبير في نشر الثقافة الدينية والعلوم العربية والإسلامية بين أبناء الوطن من خلال الزوايا والمساجد والكتاتيب والمدارس التي تم فتحها على أيديهم أو تم توظيفهم فيها أئمة ، كما اشتغل بعضهم قضاة في المحاكم الشرعية ،وبعضهم سافر لأتمام دراسته بقسنطينة أو بجامع الزيتونة بتونس أو  بجامع الأزهر الشريف بالقاهرة بمصر ، فعمروا المساجد والجوامع ودور العلم، التي هجرة مدة من الزمن بسبب مضايقة المستعمر، وبهذا سجلت زاوية قجال حضورها على مستوى كل من المقاومة المسلحة من خلال الشيخ الطاهر بن حمادوش ، وحضورا قويا على مستوى الجهاد الثقافي أو الممانعة الثقافية من خلال الشيخ الصديق بن حمادوش ..

إهتمامه بالعلم :

لم تكن اهتمامات الشيخ الصديق بن الطاهر حمادوش، العلمية قاصرة على الفقه والأحكام ،وعلوم النحو والبلاغة فقط بل كان له اهتمام بعلوم المنطق والحساب والفلك والتصوف، ونظرا لندرة الكتاب في ذلك الوقت كان الشيخ الموهوب زروق ينسخ له الكتب التي يحتاجها كما كان يطلب منه نسخ الكتب النادرة من بعض طلبته وقد عثر فيما بقي من كتبه على العديد من الكتب المنسوخة منها كتاب في المنطق وكتاب في الفلك وكتاب في علم النجوم وأوراق في الاستعارة ومنظومتان في التصوف للشيخ عبد الرحمن الأخضري .
كان للشيح الصديق مكتبة زاخرة،وكانت كتب العلم عنده أعز عليه من ماله وولده ، وهو على فراش الموت كان ينظر إلى مكتبته فتسقط دموعه لاحظ عليه ذلك وحيده الشيخ الطيب حمادوش وكان شابا في مقتبل العمر فظنه يبكي حزنا على تركه وحيدا في جوار لايرحم ،فقال له : " لاتحزن يا أبي ،أنا على ثقة أن الله يحرسنا من بعدك. فنظر الشيخ الصديق إلي كتبه وقال : ياولدي إنما أبكي على هذه الكتب من لها بعدي "..

الشيخ قاضيا :

اشتغل الشيخ الصديق بالإضافة إلى التدريس في الزاوية قاضيا للشريعة الإسلامية في محكمة سطيف من سنة 1862م إلى سنة 1882م ..

فضائله :

تميز الشيخ الصديق بن الطاهر حمادوش، بشخصية ذات ورع شديد، وتقى منقطع النظير، ورجاحة في العقل ،وعمل دؤوب، وحذر من مضلات الفتن، ،وزاده الله على ذلك غزارة في العلم ،ونورا في الفهم، وزينة في الخلق، ورأفة في القلب ..

تعظيمه الشعائر :

عرف الشيخ الصديق بن الطاهر حمادوش، بتعظمه لشعائر الله وحدوده ، والتزامه بالسنة النبوية الشريفة ،وتورعه عن الشبهات، وكان يتقدم الفلاحين الذين يكلفهم بفلاحة أرضه ويشاركهم في العمل فإذا حضرت الصلاة أوقف العمل وأقام الصلاة تعظيما لعماد الدين وركنه الركين التي من أقامها أقام الدين كله ومن تركها ترك الدين كله ...

هروبه من الفتن :

كان شديد الحذر من الفتن، ....، وقعت فتنة بين عرشين أشعلتها أيادي المستعمر الخفية، وحاولت أطراف من الفريقين أن تزج به في الصراع، فرحل عن منطقة  قجال مع عائلته نائيا بنفسه عن الصراع وتوجه إلى أرضه "بوغنجة" بأولاد صابر، حيث نصب هناك خيمة وأقام بها، فلما انتهت الفتنة عاد إلى قجال ويقال أن ابنه العبد الصالح الشيخ الطيب حمادوش، ولد هناك ..

تصوفه :

لم تؤثر هذه الروح الصوفية عند الشيخ الصديق حمادوش سلبا على حياته فتصرفه عن أعماله الدنيوية ونشاطاته الاجتماعية ،أو تدفعه إلى التواكل والانعزال بل كان يمارس حياته العملية بنفسه دون الإخلال بنشاط على حساب الآخر، فقد كان المعلم في المسجد مع الطلبة، والفلاح في الحقل مع الفلاحين، وهو المتسوق في السوق لاقتناء حاجاته بنفسه، وهو الإنسان المتواضع للناس الساعي في قضاء حاجة المحتاج ،والتنفيس عن المكروب، وإصلاح ذات البين ، وقد حفظ عنه أحفاده قوله :" كن مع الله صادقا مخلصا له الدين ، وكن مع عباده متواضعا لهم مداريا لهفواتهم ."

وصيته :

أدى الشيخ الصديق بن الطاهر حمادوش، مناسك الحج رفقة الشيخ المختار بن الشيخ ،والشيخ عبد الرحمن رحماني، وقد ألم به مرض خطير في تلك الرحلة العبادية ، أدرك من خلاله قرب أجله ،ولم يكن له من الأبناء الذكور الذين يعتمد عليهم بعد وفاته إلا ابنه الشيخ الطيب حمادوش، الذي مازال في ريعان الشباب ولم يتخط بعد العقد الثاني من عمره ، فأودع وصيته على ابنه والزاوية للشيخ الدراجي العيادي ، الذي قام بعده بالتعليم في الزاوية ،وكان نعم الوصي والمرشد لولده، روى شيخ زاية قجال عن الشيخ رابح عيادي، أن الشيخ الدراجي كان حريصا على مرافقة الشيخ الطيب حمادوش في كل شؤونه، وفي ليلة زفافه أخذ الشيخ الدراجي ينتظر خروجه للصلاة بالناس بقلق شديد، فلما أذن المؤذن للفجر خرج الشيخ الطيب من بيته وأمَّ الناس للصلاة ، عند ذلك فرح الشيخ الدراجي واطمأنت نفسه، وعلم أنه أدى الوصية على أكمل وجه ،لأن المحافظة على الصلاة وخاصة صلاة الصبح في وقتها هي العنوان الأبرز في اكتمال الشخصية الإيمانية لدى المؤمن ،فإذا أضفنا لها إمامة الناس وفي أشد الظروف حساسية يكون الشيخ الطيب حمادوش، قد أصبح مؤهلا لخلافة والده في المنطقة والزاوية العلمية عن جدارة..

لقب حمادوش :

كان لقب الشيخ الصديق العائلي"بن إدريس" ورد ذلك في عدة وثائق، وقيل لظروف خاصة اختار لقب "حمادوش" نسبة إلى جده الرابع الشيخ أحمد بن إديس الملقب بحمادوش حسب ما جاء في كتاب حفيده الشيخ محمد الصديق بن الطيب حمادش، الذي ذكر فيه سلسلة أجداده، وهذا نسب سيدي حمادش : (أحمد الملقب باحمادوش بن إدريس بن محمد بن إدريس بن محمد بن صالح بن أحمد بن ثابت بن الحاج حسن بن مسعود القجالي الحسني صاحب الضريح المعروف بمقبرة قجال ) ، وقد ورد أيضا لقب "حمادوش" في كتاب نسخه الشيخ الزادي وأهداه إلى الشيخ الصديق..

من آثاره :

يقـــول جل اللــــه ربي
أنا المقصود لا تطلب سواي
تجدني أينما تطلبني عبدي
وإن تطلب سواي لا تجدني
تجدني في سواد الليل عبدي
قريبا منك فاطلبني تجدني
تجدني في سجودك لي قريبا
كثيرالخير فاطلبني تجدني
تجدني حين تدعوني مجيبا
أنا الحنان فاطلبني تجدني
تجدني غافرا برا رؤوفا
عظيم العفو فاطلبي تجدني
تجدني مستغاثا بي مغيثـا
أنا الوهاب فاطلبني تجدني
أتذكر ليلة ناديت فيها
ألم أسمعك فاطلبني تجدني
وقد بارزتني بالذنب جهرا
فلم أكشفك فاطلبني تجدني
وكم قد رام ضرك من عدو
فلم أخذلك فاطلبني تجدني
إذا ماللهفان نادني كظيما
أقل لبيك فاطلبني تجدني
إذا مالمضطر قال ألا تراني
نظرت إليه فاطلبني تجدني
وأي عثرة لك لم أقلها
فلم نضرك فاطلبني تجدني
إذا عبدي عصاني لم يجدني
سريع الأخذ فاطلبني تجدني .


قصيدة في مدح الشيخ :


خليفة الشيخ لاتسلني فإننـــــــي
على الباب واقف متطفـــــــــل
فنطلب منكم الفوز ياعلم الورى
بإرشاد للخيرات وانفكاك القفل
عن القلب يضحى زايلا عنه ذا العمى
فينكشف الغطاء وتنفرج الأحــــــوال
إمام نال الفضائل كلـــــها
بإحيائه للسنة ومحاربة الجهــــل
أنارت به الشريعة سيـــــدا
قد فاز على الأقران علم وعمـل
فبالشرف الرفيع قد شاع ذكـــــره
فحوَّله الثناء بما هو حاصــــــــــل
فشيخ من الكمَّال نوره زائـــــــــــد
كمثل الهـــلال فاق عنــــــه وأجمـل
فليس له مثيل في عصرنا وما
حذاه من الأعصار بالعلم عامـــل
فقد رغم الحسود أنفـه بالــذي
قد أوهبه الإله بالسبق واصـــــــل
محمد الصديق والنسب شهــرا
بابن إدريس إن كنت سائـــــــــــل
ومسكنه قجال والمنشأ قل بـــه
سلالة مجد نص عنها الأوائـــــــل
فلله در ذا الإمام لأنــــــــــــــه
شجاع عند الحروب نسل الأفاضل
تقوَّل في العلوم حتى ارتقى بها
مكانة أهل الصدق وأعلا المنــازل
فذوا كرم وفخر لا يقاس بمثلـه
ترفَّــل في الأنــوار إيََّـاك تجهـــــل
قد اقتبس الأنوار من شيخه حتى
أضاء به المكان إيَّاك تغفــــــــل
فزره مرارا تغتنم بركاتـــــــــه
بها سعد الدارين ليس له مثـــــــل
تواضعه مشهور وكذا زهــــده
قد شابه شيخه في كل الخصائـــــل

قصيدة في مدح الشيخ الصديق بن الطاهر حمادوش، للشاعر محمد بن علي بن أحمد الملقب بابن دعاس الريفي ، يوم 14 شوال 1302 هجري 1885 ميلادي  

وفاته  :

انتقل إلى رحمة الله تعالى العلامة الشيخ الصديق بن الطاهر حمادوش ، في اليوم الخامس من شهر أيلول سبتمبر سنة 1893 ميلادي ، عن عمر يناهز 59 عاما ، بمنطقة قجال بـ ولاية سطيف ، ودفن بمقبرة سيدي مسعود القجالي الحسني، بجنب والده الشيخ الطاهر وجده الشيخ محمد بن أحمد بن صالح بن أحمد الملقب بأحمادوش، وقد ترك من الأولاد ولدا واحدا وهو العبد الصالح الشيخ الطيب البركة (البالغ مناه) ، وبنتين ، رض الله عنه وقدس روحه ورحمه رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته ..



 

التعريف بمنطقة ڤـجــال وتاريخها

 تاريخ منطقة قـجـال ڤـجــال قجال ( بــ الفرنسية : Guidjel )   ، هي بلدية جزائرية ، تابعة إقليمياً وإدارياً لـ دائرة قجا...